/ الفَائِدَةُ : (61) /
23/03/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / حقيقة الموت وما شاكلتها / إِنَّ عنوان: (الموت) وما جرى علىٰ شاكلته من العناوين الواردة في بيانات الوحي حسبها البعض أُموراً عدميَّة. ولا يخفىٰ علىٰ ذي لُبٍّ، وَمَنْ حَكَّمَ عرفانه، ونصف وجدانه: أَنَّ بيانات الوحي الشَّريف أَدَلَّ كالشَّمس الضاحية علىٰ عكس المدَّعىٰ، لكن ليس من الغريب اِتِّباع النَّفس لِـمَا تهواه، واِنْبِعَاثها لِـمَا تطلبه، واِنْعِطَافها نحو ما تحبَّه، وحينئذٍ ليس للمُدَّعي من جَوَابٍ في ميزان النقد العِلْمِيّ وميدان المحاجَّة إِلَّا التقليد الأَعمى لبعض مَنْ سَلَف، والتَّلَقِّي بالقبول والتَّسليم لحكمه بكُلِّ ما لفَّق وهتف. فلاحظ: أَوَّلاً: بيان قوله تعالىٰ: [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا](1). ثانياً: بيان قوله تقدَّس ذكره: [وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ](2). فإِنَّهما برهان وحيانيَّان يهتفان علىٰ مرِّ الدُّهور والأَزمان: أَنَّ الموت ليس أمراً عدميّاً ـ أَي: انفصال الرُّوح عن الجسد ـ بل وجوديٌّ، أَي: حركة الرُّوح وخروجها من الجسد الغليظ، واِنْبِعَاثها في جسدٍ أَلطف، وهو: الجسد البرزخي أَو المثالي، ومِنْ ثَمَّ ورد بيان قوله تعالىٰ: [وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ](3). والخروج والاِنْبِعَاث: حركة وجوديَّة، ونقل وانتقال. وعصارة القول: الموت: حركة، وطورٌ تكامليٌّ، وتطوُّر(4). وللتوضيح أَكثر نقول: إِنَّ الإِماتة نوع من الِارتباط والجذب الرُّوحي بين المُمِيت والمَيِّت، ومن ثَمَّ تحتاج عمليَّة قبض الرُّوح إِلى حضور المُميت ـ كـ: عزرائيل عليه السلام (5)ـ وقربه وبُعده ومحاذاته الرُّوحيَّة الخاصَّة لروح المَيِّت، وَتَبَاشِره ومباشرته مع روحه لجذبها، والباري تعالىٰ مُنَزَّه عن جميع ذلك؛ لأَنَّه ليس بجسم ولا عقل ولا روح. فانظر: بيانات الوحي، منها: 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام في أَجوبته علىٰ تساؤلات الزِّندِيق: «... قال للزِّنديق حين سأله: ... فما هو؟ قال أَبو عبدالله عليه السلام : هو الرَّبُّ، وهو المعبودُ، وهو الله ... قال السَّائلُ: فيُعَاني الأَشياء بنفسه؟ قال أَبو عبدالله عليه السلام: هو أَجَلُّ من أَنْ يُعانِيَ الأَشياءَ بِمُبَاشَرَةٍ ومُعَالَجَةٍ؛ لأَنَّ ذلك صِفَةُ المَخلُوقِ الَّذي لا تجيءُ الأَشياءُ له إِلَّا بالمُبَاشَرَةِ والمُعالجةِ، وهو مُتَعَالٍ، نافذُ الإِرادةِ والمشيئَةِ، فَعَّالٌ لِـِمَا يَشَاءُ»(6). 2ـ بيان الإِمام الكاظم عليه السلام: «... إِنَّ الله تبارك وتعالىٰ لا يَنْزِل، ولا يحتاج إِلى أَنْ ينزل، إِنَّما منظره في القرب والبُعد سواءٌ، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد ...»(7). 3ـ بيان الإِمام الرِّضا عليه السلام: «... فكُلّ ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكُلّ ما يمكن فيه يمتنع من صانعة، لا تجري عليه الحركة والسُّكُون، وكيف يجري عليه ما هو أَجْرَاه، أَو يعود إِليه ما هو اِبتدأه، إِذاً لتفاوتت ذاته، ولتجزَّأ كُنْهُهُ...»(8). ودلالة الجميع واضحة. نعم، يحتاج إِلى ذلك عزرائیل وجنده عليهم السلام ، ومن ثَمَّ ورد في حقِّه في بيانات الروايات: (أَنَّه يمرُّ علىٰ أَهل كُلّ بيتٍ في اليوم الواحد خمس مرَّات)، ومعناه: أَنَّه قد يحضر وقد يغيب. أَمَّا الباري عَزَّ وَجَلَّ ، فلا يتَّصف بهذا الحضور الُمتحيِّز بالجغرافية، أَو الحضور التَّعليقي بالرُّوح، أَو الِارتباط النَّفساني والغرائزي، أَو الغيبة الجغرافيَّة أَو التَّعليقيَّة أَو الرُّوحيَّة ونحو ذلك. وعلىٰ هذا قس نفخ الرُّوح ـ الَّذي يقوم به اسرافيل عليه السلام ـ؛ فإِنَّه يحتاج أَيضاً إِلى حضور وقرب وبُعد ومُحاذاة روحيَّة خاصَّة، وتباشر مباشرة، والباري جلَّ شأنه مُنَزَّه عن جميع ذلك، ومن ثَمَّ لا يجوز أَن يُقال: أَنَّ الله تعالىٰ مباشر للأُمور، وإِنَّما هو (علا ذكره) مُهَيْمِن ومُسيْطِر علىٰ الأُمور وقاهر لها. وبالجملة: إِسناد الفعل إِلى الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزَليَّة المُقَدَّسة لا يكون بمعنىٰ المباشرة، وإِنَّما بمعنىٰ الإِيجاد. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الملك: 2. (2) الأَعراف: 93. (3) المؤمنون: 100. (4) لا بأس بصرف النَّظر في المقام إِلى القضيَّتين التَّاليتين: القضيَّة الأُولىٰ: / بدايات دفن الَميِّت / / قبر المَيِّت علىٰ طبقات وقبور / / جوار الأَخيار في عَالَم القبر وقاية من عذاب القبر / إِنَّ المَيِّت يُجعل في بداية دفنه في مناطق حدوديَّة لعَالَم البرزخ، وفي أَبواب بين عَالَم الدُّنيا الأُوْلَىٰ وَعَالَم البرزخ. ومعناه: أَنَّ قبر المَيِّت علىٰ طبقاتٍ وقبورٍ، وليس علىٰ طبقةٍ فاردةٍ وقبرٍ واحدٍ. وبعبارة أُخرىٰ: أَنَّ بدن الميّت عندما يوضع في القبر يُجعل في دهلیز البرزخ. ومن ثَمَّ إِذا كان صالحاً وعُذِّب (والعياذ بالله تعالىٰ) سمعته ورَأَته الجنُّ والشَّياطين والحيوانات؛ كالطيور والدَّجاج؛ فلذا تراها تفزع أَحياناً. بل ويتأَذَّىٰ من عذابه مَنْ يَجاوره من الأَموات. نعم، إِنْ كان من جيرانه مؤمناً صالحاً رُفِعَ العذاب عنه، حرمة وكرامة له. إِذَنْ: جوار المؤمن الخيِّر في عَالَم القبر حرز وطلسم لجيرانه من الأَموات، بل ولكافَّة أّهل المقبرة. ثُمَّ إِنَّ مَنْ يُريد الاِطِّلاع علىٰ صُوَر وملَفَّات عن أَحوال وشؤون المَيِّت فليراجع: المجلَّد الثالث من كتاب الكافي. القضيَّة الثَّانية: / للإِنسان رجعات بعد موته إِلى هذه النَّشْأَة الأَرضيَّة في عَالَم الرَّجعة / إِنَّ لِكُلِّ إِنسانٍ ـ عدا مَنْ اُصْطُلِيَ بالعذاب في عَالَم الدُّنيا الأُوْلَىٰ كقوم لوط ـ بعد موته عِدَّة رجعات من عَالَم البرزخ الصَّاعدة؛ إِلى هذه النَّشْأَة الأَرضيَّة؛ في عَالَم آخرة الدُّنيا (عَالَم الرَّجعة). (5) ينبغي الِالتفات: أَنَّ ملك الموت عزرائيل عليه السلام ليس مُوكَّلاً بقبض أَرواح الإِنس فحسب، بل وبقبض أَرواح الجنِّ والملائكة والحيوانات، بل والنباتات؛ لكونها ذوات أَرواح نباتيَّة. / غرابة تحسُّس أَصحاب المدارس المعرفيَّة من إِسناد أَفعال الملائكة لأَهل البيت عليهم السلام / ثُمَّ إِنَّه من الغريب ما يصدر من أَصحاب المدارس المعرفيَّة البشريَّة؛ فإِنَّهم لا يتحسَّسُون من إِسناد هذه الأَفعال وماشاكلها ـ كالإِحياء ـ إِلى الملائكة عليهم السلام ، ولا يرمون مُعْتَقِدها بالغُلُوّ وتأليه الملائكة، لكنَّهم يَتَحَسَّسُون من إِسنادها لأَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم)، ويرمون مُعتقِدها بالغُلُوِّ في حقِّهم (صلوات اللّٰـه عليهم) وتأليههم، وبحلول اللَّاهوت في النَّاسوت، فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا، بعد دلالة الدَّليل ووحدة القاعدة العقليَّة في كليهما، بل وعُلُوّ مقاماتهم (صلوات اللّٰـه عليهم)، وتقدُّم مراتب وطبقات حقائقهم (صلوات اللّٰـه عليهم) علىٰ مراتب وطبقات حقائق جملة الملائكة، بل الملائكة وحقائقهم ووجوداتهم رَشْحَة من رَشْحَات حقائقهم (صلوات اللّٰـه عليهم) الصَّاعدة؛ فيكون ما أُعطي للملائكة وما تمتَّعوا به من كرامات وفضائل وکمالات ومقامات ثابت بالأَولىٰ لأَهل البيت (صلوات اللّٰـه عليهم)؛ لأَنَّهم علل فاعليَّة لوجود وخلقة الملائكة، بل وجملة العوالم والمخلوقات، وعلىٰ الأَقلِّ وسائط فيض إِلٰهيَّة لكافَّة العوالم وجميع المخلوقات منهم جملة الملائكة. وجميع ما حوته المعلولات من فضلٍ وكمالٍ ومقامات إِلٰهيَّة موجودة في عللها وزيادة ـ ورأس هرم تلك العلل طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصاعدة ـ ، وإِلَّا ففاقد الشيء لا يُعطيه. فتدبر جِيِّداً. (6) أُصول الكافي، 1: 60ـ61/ح6. (7) توحيد الصدوق: 178/ح18. (8) المصدر نفسه: 41/ح2